سورة سبأ - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)}
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} وهم مشركو العرب {لَن نُّؤْمِنَ بهذا القرءان وَلاَ بالذى بَيْنَ يَدَيْهِ} أي من الكتب القديمة كما روي عن قتادة. والسدى. وابن جريج، ومرادهم نفي الإيمان بجميع ما يدل على البعث من الكتب السماوية المتضمنة لذكل؛ ويروى أن كفار مكة سألوا أهل الكتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبروهم أنهم يجدون صفته عليه الصلاة والسلام في كتبهم فأغضبهم ذلك فقالوا ما قالوا، وضعف بأنه ليس في السياق والسباق ما يدل عليه، وقيل الذي بين يديه القيامة.
وخطأ ابن عطية قائله بأن ما بين اليد في اللغة المتقدم. وتعقب بأنه قد يراد به ما مضى وقد يراد به ما سيأتي.
نعم يضعف ذلك أن ما بين يدي الشيء يكون من جنسه لكن محصل كلامهم على هذا أنهم لم يؤمنوا بالقرآن ولا بما دل عليه، وأما ادعاء أن الأكثر كونه لما مضى فقد قيل أيضًا إنه غير مسلم، وحكى الطبرسي أن المراد بالذين كفروا اليهود وحينئذ يراد بما بين يديه الإنجيل، ولا يخفى أن هذا القول مما لا ينبغي أن يلتفت إليه وليس في السباق والسياق ما يدل عليه {وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبّهِمْ} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل واقف عليه، ومفعول {تَرَى} إذ أو محذوف و{إِذْ} ظرف له أي أي حال الظالمين و{لَوْ} للتمني مصروفًا إلى غيره تعالى لا جواب لها أو هو مقدر أي لرأيت أمرًا فظيعًا أو نحوه، و{الظالمون} ظاهر وضع موضع الضمير للتسجيل وبيان علة استحقاقهم، والأصل ولو ترى إذ هم موقوفون عند ربهم أي في موقف المحاسبة {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول} أي يتحاورون ويتراجعون القول، والجملة في موضع الحال، وقوله تعالى: {يَقُولُ الذين استضعفوا} استئناف لبيان تلك المحاورة أو بدل من {يُرْجَعُ} إلخ أي يقول الأتباع {لِلَّذِينَ استكبروا} في الدنيا واستتبعوهم في الغي والضلال {لَوْلاَ أَنتُمْ} صددتمونا عن الهدى {لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.


{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32)}
{قَالَ الذين استكبروا لِلَّذِينَ استضعفوا} استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال الذين استكبروا لما اعترض عليهم الأتباع ووبخوهم؟ فقيل قالوا: {أَنَحْنُ صددناكم عَنِ الهدى بَعْدَ إِذْ جَاءكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ} أنكروا أن يكونوا هم الذين صدوهم عن الإيمان وأثبتوا أنهم هم الذين صدوا أنفسهم أي لسنا نحن الذين حلنا بينكم وبين الإيمان بعد إذ صممتم على الدخول فيه بل أنتم منعتم أنفسكم حظها بإجرامكم وأيثاركم الكفر على الإيمان.
ووقوع إذ مضافًا إليها الظرف شائع في كلامهم كوقوعها مضافة وذلك من باب الاتساع في الظروف لا سيما الزمانية، وبهذا يجاب عما قيل إن إذ من الظروف اللازمة للظرفية فكيف وقعت هاهنا مجرورة مضافًا إليها.
وقال صاحب الفرائد إن إذ هاهنا جردت عن معنى الظرفية وانسلخت عنه رأسًا وصيرت اسمًا صرفًا لأن المراد من وقت مجيء الهدى هو الهدى لا الوقت نفسه فلذا أضيف إليها.


{وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)}
{وَقَالَ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا} اضرابًا عن اضرابهم وإبطالًا له {بَلْ مَكْرُ اليل والنهار} أي بل صدنا مكركم بنا في الليل والنهار فحذف المضاف إليه وأقيم مقامه الظرف اتساعًا أو جعل الليل والنهار ماكرين على الإسناد المجازي، وقيل لا حاجة إلى ذلك فإن الإضافة على معنى في. وتعقب بأنها مع أن المحققين لم يقولوا بها يفوت باعتبارها المبالغة، ويعلم مما أشرنا إليه أن {مَكَرَ} فاعل لفعل محذوف، وجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي سبب كفرنا مكر الليل والنهار أو مكر الليل والنهار سبب كفرنا. وقرأ قتادة. ويحيى ابن يعمر {بَلْ مَكْرُ اليل والنهار} بالتنوين ونصب الظرفين أي بل صدنا مكركم أو مكر عظيم في الليل والنهار.
وقرأ محمد بن جعفر. وسعيد بن جبير. وأبو رزين. وابن يعمر أيضًا {مَكْرُ اليل والنهار} بفتح الميم والكاف وتشديد الراء والرفع مع الإضافة أي بل صدنا كرور الليل والنهار واختلافهما، وأرادوا على ما قيل الإحالة على طول الأمل والاغترار بالأيام مع هؤلاء الرؤساء بالكفر بالله عز وجل.
وقرأ ابن جبير أيضًا. وراشد القاري. وطلحة. كذلك إلا أنهم نصبوا {مَكَرَ} على الظرف أي بل صددتمونا مكر الليل والنهار أي في مكرهما أي دائمًا، وجوز أن يكون مفعولًا مطلقًا أي تكرون الإغراء مكرًا دائمًا لا تفترون عنه، وجوز صاحب اللوامح كونه ظرفًا لتأمروننا بعد. وتعقبه أبو حيان بأنه وهم لأن ما بعد إذ لا يعمل فيما قبلها، وقوله تعالى: {إِذْ تَأْمُرُونَنَا} بدل من الليل والنهار أو تعليل للمكر، وجعله في الإرشاد ظرفًا له أي بل مكركم الدائم وقت أمركم لنا {أَن نَّكْفُرَ بالله وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا} على أن مكرهم إما نفس أمرهم بما ذكر وأما أمور آخر مقارنة لأمرهم داعية إلى الامتثال به من الترغيب والترهيب وغير ذلك.
وجملة {قَالَ الذين استضعفوا} إلخ عطف على جملة {يَقُولُ الذين استضعفوا} [سبأ: 31] إلخ وإن تغايرتا مضيًا واستقبالًا.
ولما كان هذا القول رجوعًا منهم إلى الكلام دون قول المستكبرين {أنحن صددناكم} [سبأ: 32] فإنه ابتداء كلام وقع جوابًا للاعتراض عليهم جيء بالعاطف هاهنا ولم يجىء به هناك على ما اختاره بعضهم، وقيل: إن النكتة في ذلك أنه لما حكى قول المستضعفين بعد قوله تعالى: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول} [سبأ: 13] كان مظنة إن يقال: فماذا قال الذين استكبروا للذين استضعفوا وهل كان بين الفريقين تراجع؟ فقيل: قال الذين استكبروا كذا، وقال الذين استضعفوا كذا فأخرج محموع القولين مخرج الجواب وعطف بعض الجواب على بعض فتدبر، والانداد جمع ند هو شائع فيمن يدعى أنه شريك مطلقًا لكن ذكر الشيخ الأكبر قدس سره في تفسيره الجاري فيه على مسلك المفسرين إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن وبخطه الشريف النوراني رأيته أنه مخصوص ن يدعي الألوهية كفرعون وإضرابه لأن بذلك ندعن الله تعالى وشرد عن رحمته سبحانه، وقال الشيخ: لأنه شرد عن العبودية له جل شأنه {وَأَسَرُّواْ} أي أضمر الظالمون من الفريقين المستكبرين والمستضعفين {الندامة} على ما كان منهم في الدنيا من الضلال والإضلال نظرًا للمستكبرين ومن الضلال فقط نظرا للمستضعفين، والقول بحصول ندامتهم على الاضلال أيضًا باعتبار قبوله تكلف، ولم يظهروا ما يدل عليها من المحاورة وغيرها {لَمَّا رَأَوُاْ} لأنهم بهتوا لما عاينوه فلم يقدروا على النطق واشتغلوا عن إظهارها بشغل شاغل، وقيل: اخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير، وتعقب بأنه كيف يتأتى هذا مع قول المستضعفين لرؤساهم لولا أنتم لكنا مؤمنين وأي ندامة أشد من هذا، وأيضًا مخافة التعيير في ذلك المقام بعيدة، وقيل: أسروا الندامة عنى اظهروها فإن اسر من الأضداد إذ الهمزة تصلح للإثبات وللسلب فمعنى أسره جعله سرًا أو إزال سره ونظيره أشكيت؛ وأنشد الزمخشري لنفسه:
شكوت إلى الإيام سوء صنيعها *** ومن عجب باك فشكى إلى المبكي
فما زادت الأيام إلا شكاية *** وما زالت الأيام نشكى ولا تشكي
وتعقب ابن عطية هذا القول بأنه لم يثبت قط في لغة ان أسر من الأضداد، وأنت تعلم أن المثبت مقدم على النافي فلا تغفل {وَجَعَلْنَا} أي القيود {الاغلال فِى أَعْنَاقِ الذين كَفَرُواْ} وهم المستكبرون والمستضعفون والأصل في أعناقهم إلا أنه أظهر في مقام الإضماء للتنويه بذمهم والتنبيه على موجب اغلالهم، واستظهر أبو حيان عموم الموصول فيدخل فيه الفريقان المذكوران وغيرهم لأن من الكفار من لا يكون له اتباع تراجعه القول في الآخرة ولا يكون هو تبابعًا لرئيس له كالغلام الذي قتله الخضر عليه السلام {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي لا يجوزون إلا مثل الذي كانوا يعملونه من الشر، وحاصله لا يجزون إلا شرا، وجزي قد يتعدى إلى مفعولين بنفسه كما يشير إليه قول الراغب يقال جزيته كذا وبكذا، وجوز كون ما في محل النصب بنزع الخافض وهو إما الباء أو عن أو على فإنه رود تعدية جزي بها جميعًا، وقيل: إن هذا التعدي لتضمينه معنى القضاء ومتى صح ما سمعت عن الراغب لم يحتج إلى هذا.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14